سورة الحديد - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحديد)


        


{فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ} قرأ أبو جعفر، وابن عامر، ويعقوب: {تؤخذ} بالتاء، وقرأ الآخرون بالياء {فِدْيَةٌ} بدل وعوض بأن تُفْدوا أنفسكم من العذاب {وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني المشركين {مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ} صاحبكم وأولى بكم، لما أسلفتم من الذنوب {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} قوله عز وجل: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} قال الكلبي ومقاتل: نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا: حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزلت: {نحن نقص عليك أحسن القصص} [يوسف- 3] فأخبرهم أن القرآن أحسن قصصا من غيره، فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء اللهُ، ثم عادوا فسألوا سلمان عن مثل ذلك فنزل: {الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا} [الزمر – 23] فكفوا عن سؤاله ما شاء الله ثم عادوا فقالوا: حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزلت هذه الآية. فعلى هذا التأويل، قوله: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} يعني في العلانية وباللسان.
وقال آخرون نزلت في المؤمنين قال عبد الله بن مسعود: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} إلا أربع سنين.
وقال ابن عباس: إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن، فقال: {ألم يأن} ألم يَحِنْ للذين آمنوا أن تخشع: تَرِقَّ وتلين وتخضع قلوبهم لذكر الله {وَمَا نزلَ} قرأ نافع وحفص عن عاصم بتخفيف الزاي وقرأ الآخرون بتشديدها {مِنَ الْحَقِّ} وهو القرآن {وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ اُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ} وهم اليهود والنصارى {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ} الزمان بينهم وبين أنبيائهم {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} قال ابن عباس: مالوا إلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ الله والمعنى أن الله عز وجل ينهي المؤمنين أن يكونوا في صحبة القرآن كاليهود والنصارى الذين قست قلوبهم لما طال عليهم الدهر.
روي أن أبا موسى الأشعري بعث إلى قرَّاء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرؤا القرآن فقال لهم: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولنَّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم.
{وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} يعني الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام.


{اعلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يُحيِي الأرضَ بَعدَ مَوتِهَا قَد بَيَّنَا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} قرأ ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم بتخفيف الصاد فيهما من التصديق أي: المؤمنين والمؤمنات، وقرأ الآخرون بتشديدهما أي المتصدقين والمتصدقات أدغمت التاء في الصاد {وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} بالصدقة والنفقة في سبيل الله عز وجل: {يُضَاعَفُ لَهُمُ} ذلك القرض {وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} ثواب حسن وهو الجنة. {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} والصدِّيق: الكثيرالصدق، قال مجاهد: كل من آمن بالله ورسوله فهو صديق وتلا هذه الآية.
قال الضحاك: هم ثمانية نفر من هذه الأمة، سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام: أبو بكر وعلي وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة وتاسعهم عمر بن الخطاب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ألحقه الله بهم لما عرف من صدق نيته. {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ} اختلفوا في نظم هذه الآية، منهم من قال: هي متصلة بما قبلها، والواو واو النسق، وأراد بالشهداء المؤمنين المخلصين. قال الضحاك: هم الذين سميناهم. قال مجاهد: كل مؤمن صديق شهيد، وتلا هذه الآية.
وقال قوم: تم الكلام عند قوله: {هم الصديقون} ثم ابتدأ فقال: والشهداء عند ربهم، والواو واو الاستئناف، وهو قول ابن عباس ومسروق وجماعة. ثم اختلفوا فيهم فقال قوم: هم الأنبياء الذين يشهدون على الأمم يوم القيامة، يروى ذلك عن ابن عباس هو قول مقاتل بن حيان. وقال مقاتل بن سليمان: هم الذين استشهدوا في سبيل الله.
{لَهُمْ أَجْرُهُمْ} بما عملوا من العمل الصالح {وَنُورُهُم} على الصراط {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.


قوله عز وجل: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} أي: أن الحياة الدنيا، وما صلة، أي: إن الحياة في هذه الدار {لَعِب} باطل لا حاصل له {وَلَهْوٌ} فرح ثم ينقضي {وَزِينَة} منظر تتزينون به {وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ} يَفْخر به بعضكم على بعض {وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ} أي: مباهاة بكثرة الأموال والأولاد، ثم ضرب لها مثلا فقال: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ} أي: الزراع {نَبَاتُه} ما نبت من ذلك الغيث {ثُمَّ يَهِيجُ} ييبس {فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا} بعد خضرته ونضرته {ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} يتحطم ويتكسر بعد يبسه ويفنى {وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ} قال مقاتل: لأعداء الله {وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ} لأوليائه وأهل طاعته.
{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} قال سعيد بن جبير: متاع الغرور لمن يشتغل فيها بطلب الآخرة، ومن اشتغل بطلبها فله متاع بلاغ إلى ما هو خير منه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5